2017/03/09

التجديد أو الانتحار


يقولون أن الانسان يثور ليس عندما يقع الظلم عليه ولكن عندما يشعر بذلك ... هذه قاعدة عظيمة الخطر تم استخلاصها من تجارب البشر عبر العصور ... عندما ثارت أوربا على طغيان الكنيسة بعد انفتاحها على العالم وتأثرها بفلاسفة الانوار واستشعار الناس بمعاني الحرية والهيمنة وغيرها من المفاهيم التي بدأت تظهر للعلن وتناقش من قبل الخاصة والعامة ... هذه الثورة هي التي بدأت تراجع أنماط الفكر الديني وعلاقته بالواقع وآليات الهيمة التي تفرضها المؤسسة الدينية على أتباعها وتحللها ... كل ذلك أدى الى ابتعاد جماهير عن هذا الفكر واعتباره افيونا للشعوب وأنه يجب الابتعاد عن كل ماهو غيبي. ان كامل هذه النمط قابل للتكرار عندنا في عصر صارت فيه الفلسفات والأفكار وأنماط التحليل قابله للانتشار والتوسع خاصه بين أجيال من الشباب المتوثب للمعارف وكشف الحقائق ... ومما يزيد ذلك حده وصداما تشبت معظم المختصين بالحقل الديني بمناهج وأساليب تجاوزها الزمن واصرارهم على ذلك بشكل يوحي للمتأمل بأن هذه النظريات او الطرق هي لب الدين ووسطه التي لا ينبغي ان نحيد عنها او نجدد طرائقها وأساليبها . ان بؤس هذا الفكر سيؤدي بشكل طبيعي الى ما أدى اليه الفكر الديني في أوربا وغيرها من أجزاء العالم الاخرى الى تجاوز كل ما هو ديني اذا ما استمر الاصرار على التمادي في اتباع الاساليب الوعظية في الخطاب وادعاء امتلاك الحقائق المطلقة من المجتهدين والاصرار على فرض الدين بدل الاقناع به عند بعض المدارس (الجهادية) التي ترى ان خطاب المسلمين للعالم مقتصر في الاسلام او الموت والقتل ... ان كثير مما يروج له هؤلاء اليوم موجود ومبثوث في كثير من كتب التراث التي كتب اغلبها في عصور انحطاط وانحسار الحضارة الاسلامية ... ان ذلك اثر بشكل أو اخر على أمزجة وأفكار الفقهاء والمتناولين لمواضيع الشريعة والفقه ، بالاضافة الى تلك المذاهب والاتجاهات التي كانت نتاج أوضاع غير طبيعيه ناتجة عن التعاملات الأمنية والتعذيب وغيرها من مظاهر البطش والتنكيل بالمتدينين في سجون الطغاة وهو ما ظهر أثره في العقود الاخيرة كحركات لتكفير الحكام والجهات الامنية او حتى تكفير المجتمع ككل لأنه راض بأفعال هؤلاء الظلمة. اذا كنا ندين بكل شدة التعامل الأمنى الصرف مع الحركات الاسلامية وشبابها فاننا ندين ايضا كل تلك الافكار الشاذة التي تبرز من حين لآخر من هذه الحركات ونحث كبار العلماء والعقلاء والمفكرين على ابراز الحقائق والمنهج المتوسط الذي يؤكد على حرية الانسان وحقوقه وان التدين قناعة وليس فرضا وأن جوهر الدين هو الارتقاء بالانسان في كل المجالات الدنيويه والروحية. ان عدم مراجعة التراث من قبل مختصين عقلاء يفهون الدين والواقع معا سيقود شرائح واسعة من المجتمع على تكوين صور قاتمه عن الدين والمتدينين والابتعاد تدريجيا عنه بل ومعاداته لانهم لا يرون فيه الا أداة في ايدي الحكام او المشائخ للهيمنة والتسلط بدون ابراز اي ملامح جيدة وراقية. إن كثيرين من العاملين في الحقول الاسلامية المختلفة وان حسنت نواياهم الا أنهم يعملون بشكل سلبي نتيجة محدودية معلوماتهم فيما استجد حولهم من أحداث وأفكار ... ولكن حسن النوايا هنا غير مجد على الاطلاق ويذكرنا بقصة ذلك الدب الذي اراد أن يطرب الذباب عن رأس صاحبه النائم فضربه بصخرة أودت بحياته !!!!!!! 
.
ي.أ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق