2013/02/27

الثورة والدولة (نقد أرجو أن يكون موضوعيا لحالة الهروكة الثورية – حق الرد مكفول والشتم كذلك)

الثورة في ليبيا كما عاصرنا أحداثها هي حالة من الحراك الاجتماعي بعد ثورات مصر وتونس من حولنا ، ربما كان السبب الرئيسي في شرارته الاولى هو ازدياد حالة الوعي لدى المواطن في عصر التواصل والاتصالات بمقدار ظلمه وهضم حقوقه من طبقات حاكمة تغولت عن طريق امتصاص دماء الشعوب وتركز كل السلطات لديها بشكل حصري وقمع اي حركات مضادة او معارضة ... كان هذا الوضع متحققا بشكل  غير طبيعي في ليبيا  لذلك كانت الثورة فيها ايضا راديكالية وجذرية اذا ما قورنت بجارتيها شرقا وغربا.
خرج الناس في البداية في أغلب المناطق الليبية بطرق سلمية تماما ظانين ان استجابة النظام الحاكم ستكون كاستجابة من سبقه الا أنهم تفاجأوا تماما بردة الفعل غير المسبوقة والتي حتمت على كثير منهم الاستكانة والرجوع الى بيوتهم في مناطق كثيرة ، بينما استمرت الحالة الثورية في بعض المناطق الاخرى (الشرق – الجبل - مصراتة) لظروف داخلية وخارجية يطول شرحها.
في نهاية المشهد الدامي الذي استمر أشهرا من الصراع والقتال قتل القذافي وسيطر الثوار على الوضع في البلد أو هكذا بدا المشهد لأول وهلة ... بطبيعة الحال كان الثوار المقاتلين هم الذين يقومون بالمهام الأمنية كبديل عن الشرطه والجيش ... الا ان المشاكل الحقيقية بدأت تظهر عند محاولة بناء هذين الجهازين وانضمام أعداد مهولة كثوار في كل المدن والمناطق بلا استثناء لأن معظم هؤلاء الشباب رأوا أن التسجيل كعضو في كتيبة  يمنحهم العديد من الميزات ونوع من الحصانة  التي قد لا يتحصلون عليها اذا لم يكونوا ثوارا عند انتشار هذا النفس الثوري في البلاد وبدأنا نسمع بمصطلح الثوار الحقيقيين وغير الحقيقيين.
الثورة بطبيعتها وبنيتها غير منضبطة وهي أقرب للفوضى منها الى التنظيم ؛ وإذا اضفنا عليها حالة الفوضى المتوطنه في ليبيا طوال الأربعين سنة الفائتة وعدم وجود اي بناء مؤسسي حقيقي في أي من قطاعات الدولة ، يمككنا أن نتصور مدى الكارثة التي وجدنا أنفسنا فيها ، الشرعية هي الشرعية الثورية التي يمارسها الثوار طبعا ... الذين هم خليط من كل الشرائح والمناطق والذين سنحاول حصرهم كالآتي مع التحفظ على اطلاق لقب ثائر على كثير منهم ، ولكن هو مجرد توصيف لما يجري على الساحة:

-         ثوار مسلحون قاتلوا فعلا ضد كتائب القذافي في الأماكن التي دارت فيها هذه المعارك.
-         ثوار انضموا للحصول مميزات الثوار عندما وضعت الحرب أوزارها.
-         ثوار من مناطق كانت متهمة بانحيازها لنظام القذافي وهؤلاء ايضا يمكن تقسيمهم الى قسمين: الأول هم من ارادوا الانضمام للثورة ولكنهم كانوا مقموعين من بني عمومتهم فتولد في داخلهم حقد دفين ، والقسم الثاني هم من ركب الموجة بعد ان وضعت الحرب أوزارها ليقال انهم ثوار المنطقة الفلانية لحجز الأماكن في الدولة التي لم تولد بعد.
-         ثوار شكلوا كتائب لا هم لها الا السرقة والاستيلاء على الاملاك العامة والخاصة بالتهديد بالتخوين أو بقوة السلاح وتكوين عصابات للتهريب بمختلف أشكاله.
-         ثوار تابعين لأجنحة سياسية تريد أن تحمي نفسها وقادتها عند حدوث أي فوضى.
-         ثوار لازال ولاءهم للنظام السابق ويكونون خلايا لاستعادة دولة الجماهير.
الساحة تحتوى كل ذلك وربما أكثر ، والفصل بين هذه الشرائح يكاد يكون مستحيلا لان كل منهم يدعي  الطهارة والنقاء والله وحده هو العليم بالنوايا وما تخفي الصدور.
الذي يهمني أن أتكلم عنه من كل هذا الركام هم ثوارنا الذين حسنت نواياهم وكانوا من وقود الثورة وقدموا التضحيات ... هؤلاء الثوار أغلبهم شباب بلا خبرة حقيقية في الحياة وألاعيب السياسة لذلك سهل جدا احتوائهم وإلهائهم وتحييدهم وسط كل هذه الفوضى وبطرق مختلفة ... وزرع عدد من الافكار والسلوكات التي تشوه سيرتهم وتحطم كل ما قدموامن تضحيات.

مبادئ عامة يجب الالتزام بها:
- القضاء هو المسؤول عن محاسبة المجرمين سواء قبل الثورة أو بعدها ولا حصانة لأحد في الفترتين.
- الليبيون اخوة متساوون في الوطن والكرامة ولا فضل لليبي على ليبي على اساس عرقي او لوني او حزبي.
- وصف الثائر هو وصف لا يوجب حقوقا من نوع خاص لانك لم توقع عقدا مع أحدا قبل أن تخرج ثائرا لتطالب بهذه الحقوق الأن بل خرجت بمحض ارادتك استشعارا منك لهذا الواجب.
- الاهتمام بالثوار خاصة الجرحى والمبتورين من قبل الدولة هو حق لهم لكونهم ليبيين أولا ومن باب رد الجميل ومكافأة الاحسان بالاحسان.
- المطالبة بالحقوق حق لكل شخص ولكن بالطرق الصحيحه وعبر القنوات الصحيحة حتى لا ينقلب المطالبه بالحق الى إدانة عندما تنحرف هذه المطالبات عن مسارها ، مع العلم ان اثارة الفوضى من أسهل الامور خاصة في التجمعات.
- عدم الاغترار بوصف الثائر واستحقار الاخر لانه مصنف تحت أي تصنيف لان في  ذلك بناء لشبكات من الأحقاد والضغائن.
- عدم الانجرار وراء ثنائية المنتصر والمهزوم ... خاصة اذا أعطى شعور الانتصار جرعة مبالغ فيها من الغباء الناشئ من أنني منتصر ويحق لي أن أفعل ما أشاء بلا أي ضوابط  دينية أو أخلاقية أو دينية ... لأن ذلك ينشي حالة حقد لدى المهزوم والحاقد يشتغل بكل الوسائل للنيل من خصمه ولو كان أقوى منه لحظيا.
- الثورة هي حالة انفعالية كانت لازمة عندما واجهنا قوات القذافي ... أما الان فالثورة تعني الثورة على النفس أولا والثورة على الأفكار التي تشدنا للوراء.
- عدم الوقوع في فخ الاقصاء من مفاصل الدولة وأجهزتها بإلهاء الثوار في عشرات الصراعات والتوترات في مختلف المناطق  بل لا بد أن يأخذوا حقهم كغيرهم بشرط الكفاءة والقدرة لا بمجرد وصف الثائر ... والمحاسبة في حال التقصير والتهاون.
- من أراد من الثوار الاستمرار كثائر حامل للسلاح عليه الانخراط في أجهزة الأمن والدفاع ليتم تصنيفه وليكون حمله لهذا السلاح شرعيا ومنضبطا.
- عدم السماح بهيمنة جهة أو حزب أو قبيلة على أي قطاع من القطاعات بل لا بد من مشاركة الكل وليكن التنافس لا فيمن يستولى على هذا القطاع بل في كيفية الرقي به وتطويره.

ان وعي الثوار بكل هذه النقاط هو وحده الحافظ لهم ليكونوا أداة في بناء الوطن بدل أن تستغل تضحياتهم في صراعات حزبية أو جهوية يكون ضررها أكبر من نفعها ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف بيادق تم اللعب بهم ثم رميهم بعد ذلك ..كما ان تقديم لغه السياسة والحنكة في معالجة الامور ومن أناس ناضجين يجب أن تكون هي السائدة بدل لغة الانفعال والتشنج والاستعراض الصبياني الذي يبدأ بارتداء الملابس العسكرية ولا ينتهي باللعب بالسيارات أو الأسلحة التي نراها من حين لآخر ... ان حسن النوايا جيد ولكن النية يجب أن يقارنهاعمل وإنجاز ... هذا العمل ان لم يؤسس على قاعدة اجرئية سليمة كان عبارة عن تخبطات وتهورات تجعل صاحبها هدفا للسخرية والاستهزاء مع ظنه أنه أهل للاعجاب ... كما أن عدم التفطن للإلهاء وتهميش الثوار ماهو الا تمكين لشبكات علاقات العهد السابق الفاسدة من الرجوع وبقوة لاحتلال مفاصل الدولة الناشئة لا لقوتهم وعبقريتهم كما يشاع ... بل لفوضوية وعدم وضوح الرؤية لأبناء ليبيا الذين ضحوا بأموالهم وأرواحهم في سبيلها !!!!!!!

ي.أ