2015/04/27

أبي

عاش فقيرا الى كثير الماديات ولكنه علمنا كثيرا من الاشياء التي أثرت ولا زالت تأثر في تفكيرنا ووجداننا نحن أبناؤه ... كان لا يتعدى على أحد ولكنه لا يرضى بأن يظلمه أحد ولا يسكت على ظلم ... كان تعليمه الرسمي متواضعا ولكنه عوضه بثقافة واسعة في الادب واللغة والتاريخ والفقه عبر التعليم الذاتي والاطلاع وورثنا منه مكتبة لازلنا نفخر بها ... عاش كادحا في مختلف أطوار حياته ولكنه كان مرحا غالبا ... تعلمنا منه ان لا نقيم للدنيا شأنا كبيرا متى حصل الانسان منها أسباب ستره ... لم نره متزلفا لحاكم او ذا منصب بل كان عصاميا الى ابعد الحدود ... بالنسبة لي وأنا أكبر أبنائه كان صديقا غالبا ... نتناقش في كثير من الامور ونختلف كثيرا خاصة في معالجة بعض الامور الاجتماعية ... مع الوقت عرفت ان نظرته كانت الاصوب لأنه كان عارفا بنفسيات الناس وطباعهم ... كثيرون يعتبرونه صعبا او حادا ولكنه ببساطه كان لا يقبل الخطأ ويعبر عن ذلك بكل صراحة ... بعد وفاته وجدنا في بعض أوراقه قصيدة من نظمه ولم يكن شاعرا ولكنه محب للشعر يتحفظ جيده ربما كانت تعبيرا صادقا عن شخصيته جاء فيها :

طَالَتْ عَلَى الصَّبِ الكَئِيـبِ العَـانِـي ... أَيَّــامُــهُ تـَأْتِــيــهِ بـِـالـأَشْـــجَــانِ
يَـا حَـائِـرًا فِــي أَمْــرِهِ مُــتَـبَــرِمـــًا ... مِـنْ وَقْـتِـهِ مُـتَـمَـسِّكــًا بِـأَمَـانِــي
يَمْضِي الزَّمَانُ و لاَ تُحَقِّـقُ مَطْـلَبــًا ... فإِلاَمَ تَسْـلُــكُ مَسْلَــكَ الخُسْــرَانِ
وإِلاَمَ يَـــأْتِيــكَ الصَّـبَـــاحُ بِــنُــورِهِ ... فَيُرِيكَ نُورُ الصُّبْحُ هَـمـًا ثَـانِــي
وإِلاَمَ تَلْتَمِــسُ الرَّشَـــادَ مـِنَ الّــذِي ... فِي طَبْـعِـهِ التَّزْيِّـيـفِ والبُـهْـتَـانِ
يُعْطِيكَ مِنْ طَرَفِ اللّـسَـانِ حَــلاَوَةً ... وَطَلاَوَةً فِـي الـشَّـرْحِ وَالتِّـبْـيَـانِ
وَيَـجُرُ مِنْكَ الرِّجْلَ نَحْـوَ مَـصَالِــحٍ ... يَـنْـوِي لَهَـا التَّحْـقِـيـقُ بِالمَـجَّـانِ
يَـرْنُـو إِلَـيْـكَ بِأَعْـيُـنٍ مَـشْــحُـونَــةً ... بِالـحِـقْـدِ وَالأَطْـمَـاعِ والـعُـدْوَانِ
تَعِـسَ الزَّمَـانُ فَـكَـمْ أُعَـاشِـرُ أُمَّــةً ... أَطْمَاعُهَا تَطْغَـى عَلَـى الإِنْسَـانِ
وأَضِيـقُ ذَرْعـًا بِالـمَـكَــانِ وَأَهْـلِـهِ ... مَثْوَى الكُرُوبِ قَرَارَةَ الأَحْـزَانِ
وأَجَـرُ رِجْلِي والهُمُـومُ تُـحِيـطُ بِـي ... مُسْـتَـسْـلِـمًا لِلْيَــأْسِ والــخُـذْلاَنِ
وأَقُــولُ لِلْجَـمْـعِ الّـذِيـنَ خَبِرْتُــهُــمْ ... وَعَرَفْتُهُمْ مَـنْ سَـالِـفِ الأَزْمَـانِ
أُفٍ لَـكُـمْ مِـنْ مَـعْـشَـرٍ مُـتَعَـجْـرِفٍ ... بَاعَ الثَّمِينَ بِـأَرْخَـصِ الأَثْـمَــانِ
يَا لاَئِمِي فِـي غُرْبَتِـي فِـي حَيْـرَتِـي ... فِيمَا تَـرَى مِـنَ كَثْـرَةِ الهَـذَيَــانِ
مَـهْـلاً عَـلَـيّ فَـإَنّ قَـلْـبِـي طَـاهِــرًا ... لاَ أَقْبَلُ التَّزْيِّيـفَ فِي وُجْـدَانِــي
------------------------
ذلك هو أبي (عبد الرحمن يوسف أبوراوي) ... الذي يصادف اليوم ذكرى وفاته الخامسة ... رحمه الله وغفر لنا و له
ي.أ

2015/04/24

إيقاف التاريخ

ظاهرة انسانية عامة مردها محاولة الاحتفاظ بنشوة الانتصار أكبر قدر ممكن ... تتمظهر عادة في دعوات الحتمية التاريخية التي تقود حالة مرغوبة او مثالية من وجهة نظر القائل بها لعل من أبرز مظاهرها تاريخيا هو الآتي :


- المدينة الفاضلة لدى افلاطون الذي زعم ان الحكم المثالي سيتحقق متى حكم الفلاسفة هذه المدينة وسيروها وستكون هي الحاله المثالية التي لا مزيد عليها !!!!

- المدينة المنورة حال وجود النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة عند أصحاب الدعوات السلفية والتي يقولون جازمين انها أفضل المراحل الزمنية والتي يجب أن نسعى لاستعادتها والاستنان بها في كل شئ !!!!

- الحالة الشيوعية المطلقة عند ماركس والشيوعيين التي يجب ان تنتهي اليها المجتمعات بعد ان يتمر بمراحل صراع الطبقات والديالكتيك وعندها ستختفي كل مظاهر التطاحن والتظالم لاننا وصلنا الى شيوعية كل ما من اجله يتحارب البشر !!!!

- الحالة الامريكية وهيمنتها العالمية لدى فوكويوما في اطروحته نهاية التاريخ والانسان الاخير حيث افترض ان البشرية ستستقر على هذا الوضع ولن تتغير كونه مثاليا !!!!

- الحالة الجماهيرية لدى القذافي والتي لا تختلف كثيرا عن الطرح الشيوعي والمناداة بأنه هو الحل النهائي لمشكلة أداة الحكم عبر جعل الثروه والسلطة والسلاح بيد الشعب !!!!

- الحالة الثورية عند كل الثائرين لأنهم يعتقدون أن ما قاموا به هو الأفضل والأحسن والانسب وأن ما قدموه من تضحيات لابد وبالضروره أن تكون هي أسمى وأنقى الحالات البشرية !!!!

كل هذه الدعوات تؤمن ان التاريخ متحرك وان محركاته تختلف وتتنوع ... ولكنها تتناقض اخيرا بجعل حالتها المثالية التي ترى انها الحل الامثل سواء اكانت هذه القناعة هي علمية او فلسفية او انها ناتجة عن رغبه شخصية لا تريد لحالتها الخاصة من القوه والهيمنة ان تتغير ... هذه الدعوات باختلاف اسبابها هي مجرد افتراضات وأحلام اثبت التاريخ نفسه عدم جدواها وأن الظاهرة الانسانية متجاوزة لكل ذلك وأكثر تعقيدا من افتراضات باحث او رغبات راغب أو تضحيات مؤمن بفكرة ... جميل أن نفهم ذلك وأن نضع الامور في نصابها ونقدر لكل فعل او حالة ثقلها النسبي ... لكن الإصرار على فكرة واحدة والاصرار على ذلك لن يقودنا الا الى التحجر والتجميد ... والتاريخ هنا هو البراهان أيضا !!!!



ي.أ

2015/04/19

فوضى الافكار ... وصناعة القطعان

لاشك ان لوسائل الاعلام اليوم الدور الاكبر في تشكيل وصناعة الافكار والاتجاهات ... ولا شك انها مجال خصب للدراسات والابحاث والتجارب ... هذا في جانب صانعي الافكار والسياسات ومروجيها والمستفيدين من كامل هذه الصناعة وفق خطط استراتيجية طويلة الأمد ... اما في جهة المستهلكين الجهلة كمجتمعاتنا المتخلفة فان الغرض منها غالبا هو صناعة قطيع يتم حصره وتوجيه افكاره وفق رغبات بعض الاذكياء والسماسرة لا أكثر ولا أقل ... فنحن دخلنا هذا الخضم بلا اي أهداف الا اهداف بعض هواة التسلط والتحكم لذلك ما نراه من ضخ اعلامي لقضية ما وغالبا ما تكون (سياسية) هي فقط زيادة رصيد هذا الزعيم او ذلك الحزب او تلك الجهة لا أكثر ولا أقل حتى ان احتوى على كم هائل من المغالطات والتناقضات الداخلية.
ان السرعة الكبيرة في تداول الافكار والاخبار وارتفاع وتيرة التشنج داخل المجتمع عبر تبرير الكره وتحويل الناس الى أجهزه حساسة تلتقط كل خبر وتنحاز له او ضده بسرعه عجيبة سينهك كامل الجهاز العصبي لهذه الكائنات المترقبة ويحيلها الى كائنات تبدو مجنونة تماما محاطة بعقد الزعامة والتصنيف والاستقطابات الحادة لسياسات هي مغيبة عنها تماما وعن صناعتها وعن صراعات أطرافها الخفية والمعلنة ... فالانسان العادي او المواطن ينبغي له ان يهتم بأموره الحياتيه المباشرة ويسعى الى تحسين ظروف حياته اليومية ... ففي دول العالم الواعية قد يتظاهر الناس لزيادة الضرائب او زيادة سعر المحروقات او لتأخر المرتبات أو تضامنا مع مريض لم يلقى العناية الصحية الازمة ... أو لتردي مستوى الأمن ... ذلك هو الذي يؤثر بشكل طبيعي في الحكومات ويجعل منها خادمة لشعوبها تسعى لارضائه ... عندنا ولأننا لم نعرف او نحدد حقوقنا او واجباتنا لم نر اي مظاهرة في هذا الاتجاه ... كل ما نراه هو حشود تخرج لمناصرة هذا الطرف او ذاك لأنها تنحاز اليه عاطفيا او لأنها تعتقد أنه اذا حكم سيحقق لها كل ما ترغب كأنه مصباح علاء الدين .
ان هذا الامنطق وهذه التصورات الاواقعية هي نتيجة طبيعية لتجذر الخرافة بجميع انواعها في عقلنا الجمعي لا أكثر ولا أقل ولأننا لم نحدد ما نريد بشكل فعلي ... فنحن مجرد منحازون على اسس غير منطقيه ولا واقعية بل الذي يحركنا مجرد انتماءات قبلية او قناعات ايدولوجية غير مبرهة غالبا او انسياق غبي مع الجموع والبيئة المحيطة ... أكاد أجزم أننا لو كنا خارج هذا الصندوق بكل ما فيه من فوضى وطلب منا مراقبة الوضع داخلة سنخرج بنتيجة واحدة هي الجنون المطبق لكل من هم داخله ... وإليك بعض هذه المشاهد لتتأكد :
- أناس عاشوا 40 عاما في أكواخ من الصفيح يبعثون بأبنائهم لتموت فداءا لهذا الحاكم المطلق طيلة هذه السنوات !!!!!
- أناس عاشوا 40 سنة خارج البلد هروبا من هذا الحاكم المطلق وسياساته أو في السجن هروبا من بطشه وعند رجوعهم بعد ازاحة هذا الغول المرعب تكتشف ان رؤوسهم بقيت كما هي طول هذه المدة ولا توجد فيها الا فكرة واحدة ... متى ارجع للوطن لأستلم مرتباتي طول هذه المدة النضالية !!!!
- أناس يرفعون شعار الاسلام السياسي ويسعون لاقامة خلافة اسلامية او دولة اسلامية وقد تم تربية وتدريب معظم قياداتهم من أجهزة استخبارات عالمية !!!!!!
- أناس يرفعون شعار الليبرالية والعلمانية ولم يقرأوا كتابا في حياتهم لكل فلاسفتها ومنظريها كما لا يجيدون التعبير عما يريدون بشكل منطقي متماسك وبعضهم يدعوا الى تفعيل دور القبيلة بدل المواطنة !!!!!
- أناس تنفطر حزنا على أناس قتلوا في تفجير انتحاري اذا كان هذا التفجير في بنغازي مثلا وتفرح كثيرا اذا كان في طرابلس ... وبالعكس !!!!!!
- أناس تدعوا الى بناء جيش وشرطة ... بلا اي مقاييس او معايير او ضوابط ... المهم ان يكون الجيش والشرطة من جماعتنا ولا يهم هنا اذا كان من ضمن اعضاءه مدنيين او حشاشين او قتلة مأجورين ... المعيار الاهم هو (معنا - ضدنا) ... فالجيش يجب ان يكون على رأسه (حفتر )او يكون على رأسه (بادي) حسب الاهواء والمويلات ... وقد يحتوي في أفرادة (بوكا) او (عفاريت) ... فلكل مؤيد من المعسكرين !!!!!!
- أناس تعتقد أن تدمير مدينة بكل ما فيها للقبض على المجرمين جائز وطبيعي بل هو برهان كبير على الدهاء والحنكة العسكرية ... وفي المقابل فإن تدمير مطار كارثة لا تغتفر .
- أناس تعتقد انها عندما ثارت على القذافي وحاربته صار لها صك الى نهاية العمر بأن تفعل ما تشاء او تظلم من تشاء او تستولي على ما تشاء فهم مجرد أزلام !!!!!!
ولو أردنا تتبع التناقضات من كل الاطراف لقضينا في ذلك ساعات وساعات ... ان مرد كل ذلك في نظري هو اننا لم نعرف حقوقنا فنجيد الدفاع عنها ولم ندرك واجباتنا فنؤديها بقوة واقتدار ... وبالتالي فانه لملأ هذا الفراغ كان لابد من ايجاد معارك في غير معترك لنبرهن لأنفسنا وللأخرين أننا نقوم بشئ ما ... ولا يهم هنا كم القتلى والجرحى والمشردين مادمنا نمتلك ردا شافيا وتأويلا مناسبا لكل هذا العبث ... أما أنا فأبرأ الى من كل ذلك وأدعوا الله ان لا يشغلني الا بما ينفعني في دنياي وأخراي !!!!!!

ي.أ

2015/04/14

المنتصر الغبي VS المغلوب الحاقد

واهم من ظن ان للحالة الليبية اليوم حلا سحريا ... كثيرون من البيادق والذين يتم تحريكهم على الساحة يظن ان السيطرة تعني انتهاء الامر ... التاريخ الذي لا نجيد قراءته ينبينا بعكس ذلك تماما ... ان الساعي لسلطة قهرية ربما ينجح للحضات او حتى سنوات ولكنه يظل ينسج أكفانه طيله هذه المدة ... التغلب والقهر ممكن ومجرب بل هو النمط السائد لقرون عندنا ... ولكن ماهي نتيجته ؟ ... ان المنخرطين في هذا النمط احد نوعين ... النوع الاول هو الذاهب مع الاحداث عاطفيا ويرى انه بتغلبه يشفي غليله ... والنوع الثاني هو الذي لا يريد الا مصلحته الذاتية ولو على أنقاض الوطن ... كلا النمطين لا ينتج يقينا لان كل قواه ستستنزف في المحافظه على ما احتاز تغلبا ... كما ان سلوكه سيفتح شهية الكثيرين لسلوك مسلكه ... فتراه مسيطر متغلب ظاهريا ولكنه مهموم مشغول بأعدائه المتربصين باطنيا ... وما حرصه على الظهور بمظهر البطل او الزعيم او غيرها من مظاهر العظمة الا حيل نفسية لإخفاء مظاهر الخوف والترقب ... كما ان الطرف الثاني سيعيش ايضا مشاعر الترقب والبحث عن لحظه الانقضاض ... المحصلة ان المجتمعات المحكومة بهذا النمط تضيع فيها اي فرص لأي تنمية او تغيير لان الكل متحفز وهو ضمنيا ضمن ثنائية المنتصر الغبي او المغلوب الحاقد ... هذه الثنائية قد تنقلب في اي لحظه كأطراف ولكنها نتيجتها لا تتغير بل انها عند كل انقلاب تزيد في تراكم الاحقاد والعداوات والاستطاب الحاد بين المكونات المجتمعية وافرازاتها السياسية ... انطلاقا من هذه الحقيقة التحليلية التي نراها ماثلة للعيان في مجتمعنا وغيره من المجتمعات بل هي النمط السائد في كل الصراعات الاهلية والتي تم تبنيها كاستراتيجية لادارة المجتمعات المتخلفة والسيطره عليها عبر لاعبين في طرفي المعادلة وتوجيه تلك المجتمعات المنهكة لما يريدون بعد ذلك ... لذلك عندما نقول ان الحوار والتوافق هو الحل السليم (وليس بالضروره هو الذي سيطبق) لانه هو الضامن لوضع مجتمعي سليم تتجه فيه الجهود للبناء والتطور بدل الاحتراب والاستنزاف ... التاريخ ينبأنا بأن كل التغييرات الحقيقية تمت بعد استقرار المجتمعات ... هذا اذا أردنا أن نقلع حضاريا وأردنا البناء كما ندعي ... اما اذا أردنا أن نبقى في مستنقعنا الآسن والتناوب في أدوار الغباء والحقد فذلك لا يحتاج الى اي جهد بل مجرد ان نسير مع رغباتنا الحيوانية وهي كفيلة بارجاعنا قرونا الى الخلف !!!!!
ي.أ

2015/04/12

تتعدد الرايات والبؤس واحد

من أعجب العجب ان نحاول بناء دولة أو وطن بدون أدنى اهتمام لمفهوم الدولة والوطن وتعريف الناس بهذه المفاهيم وتعليل وجودها وأهميتها للفرد والمجتمع ... وترتيب الانتماءات من الاسره الى القبيلة الى الاقليم الى الدولة وتراتبياتها ... ومعنى ان نكون مواطنين في دولة ما وما هي الحقوق والواجبات ... ان كل الفوضى على الارض ناتجه عن فوضى المفاهيم في الاذهان لأنها نتيجتها المباشرة ... ان مركب الجهل والفقر والمرض هو ما نعانيه على مستوى الافكار ولم نستطع تجاوزه رغم مراكمة الماديات وتغير طرق العيش واستعمال كل الأدوات الحديثة ... كما أن تلك الرغبة الدفينة في التسلط هي المهيمنة على كامل المشهد (السياسي) ان كنا نمارس السياسة فعلا ... ان كل ما نراه من خصومات ونقاشات وحروب ودماء هي انعكاس لرغبة التسلط لدى افراد معدودين ولكنهم يدفعون البسطاء للمحاربة في سبيل رغباتهم وأوهامهم عبر استغلال وتأجيج العواطف والانفعالات وتهييج النعرات والايدولوجيات والتحيزات ... فالبعض يحشد الجماهير تحت راية العقيدة والدفاع عن الدين والبعض يستغل راية الوطن الذي ينبغي ان ندفع نفوسنا رخيصة في سبيله ... والبعض يشتري المرتزقة بالمال ليحاربوا من أجله ... وفي الاخير وعند وصول اي من هذه النماذج الى السلطة سنجد انها لا تحتلف في شئ عن من سبقها بل هي تكرار ممل لأنواع من الدكتاتوريات لا أكثر ولا أقل ... ان اشتراك كل هذه الدعوات في القاعدة الاساسية وهي الجهل والتعصب وان اختلفت انواعه واتجاهاته تجعل من النتائج غالبا واحده وكارثية ... فالمواطن في السودان او أفغانستان (الاسلامية) عانى كما يعاني أخاه المواطن في سوريا او العراق (البعثية) او في ليبيا (الجماهيرية) او في المغرب أو دول الخليج (الملكية) او في غيرها من المسميات المختلفه من (جمهورية) او (ديمقراطية) ... ان كل هذا الهراء والتصنيفات لم تغير من واقع انساننا عبر كل هذه العقود فهو مجرد انسان مقهور بأنواع مختلفة من التسلطات ... كان القاسم المشترك بين كل هذه الدول هو احتقار الانسان وتحويله الى مجرد مادة استعمالية يستخدمها السادة الحاكمون لاشباع رغبات التسلط والتحكم لا أكثر ولا أقل ... وما لم نغير هذه المعادلة بالاهتمام بالانسان أولا قبل كل التصنيفات الاخرى ... والتأكيد ان حياته وكرامته فوق كل ألاعيب الطامعين في الحكم وثعالب السياسة والمال فان ما نقوم به هو مجرد استعباط وتكرار لتجارب فاشلة مهما رفعنا أصواتنا واصطنعنا من خصومات وحروب !!!!

ي.أ