عاش فقيرا الى كثير الماديات ولكنه علمنا كثيرا من الاشياء التي أثرت ولا زالت تأثر في تفكيرنا ووجداننا نحن أبناؤه ... كان لا يتعدى على أحد ولكنه لا يرضى بأن يظلمه أحد ولا يسكت على ظلم ... كان تعليمه الرسمي متواضعا ولكنه عوضه بثقافة واسعة في الادب واللغة والتاريخ والفقه عبر التعليم الذاتي والاطلاع وورثنا منه مكتبة لازلنا نفخر بها ... عاش كادحا في مختلف أطوار حياته ولكنه كان مرحا غالبا ... تعلمنا منه ان لا نقيم للدنيا شأنا كبيرا متى حصل الانسان منها أسباب ستره ... لم نره متزلفا لحاكم او ذا منصب بل كان عصاميا الى ابعد الحدود ... بالنسبة لي وأنا أكبر أبنائه كان صديقا غالبا ... نتناقش في كثير من الامور ونختلف كثيرا خاصة في معالجة بعض الامور الاجتماعية ... مع الوقت عرفت ان نظرته كانت الاصوب لأنه كان عارفا بنفسيات الناس وطباعهم ... كثيرون يعتبرونه صعبا او حادا ولكنه ببساطه كان لا يقبل الخطأ ويعبر عن ذلك بكل صراحة ... بعد وفاته وجدنا في بعض أوراقه قصيدة من نظمه ولم يكن شاعرا ولكنه محب للشعر يتحفظ جيده ربما كانت تعبيرا صادقا عن شخصيته جاء فيها :
طَالَتْ عَلَى الصَّبِ الكَئِيـبِ العَـانِـي ... أَيَّــامُــهُ تـَأْتِــيــهِ بـِـالـأَشْـــجَــانِ
يَـا حَـائِـرًا فِــي أَمْــرِهِ مُــتَـبَــرِمـــًا ... مِـنْ وَقْـتِـهِ مُـتَـمَـسِّكــًا بِـأَمَـانِــي
يَمْضِي الزَّمَانُ و لاَ تُحَقِّـقُ مَطْـلَبــًا ... فإِلاَمَ تَسْـلُــكُ مَسْلَــكَ الخُسْــرَانِ
وإِلاَمَ يَـــأْتِيــكَ الصَّـبَـــاحُ بِــنُــورِهِ ... فَيُرِيكَ نُورُ الصُّبْحُ هَـمـًا ثَـانِــي
وإِلاَمَ تَلْتَمِــسُ الرَّشَـــادَ مـِنَ الّــذِي ... فِي طَبْـعِـهِ التَّزْيِّـيـفِ والبُـهْـتَـانِ
يُعْطِيكَ مِنْ طَرَفِ اللّـسَـانِ حَــلاَوَةً ... وَطَلاَوَةً فِـي الـشَّـرْحِ وَالتِّـبْـيَـانِ
وَيَـجُرُ مِنْكَ الرِّجْلَ نَحْـوَ مَـصَالِــحٍ ... يَـنْـوِي لَهَـا التَّحْـقِـيـقُ بِالمَـجَّـانِ
يَـرْنُـو إِلَـيْـكَ بِأَعْـيُـنٍ مَـشْــحُـونَــةً ... بِالـحِـقْـدِ وَالأَطْـمَـاعِ والـعُـدْوَانِ
تَعِـسَ الزَّمَـانُ فَـكَـمْ أُعَـاشِـرُ أُمَّــةً ... أَطْمَاعُهَا تَطْغَـى عَلَـى الإِنْسَـانِ
وأَضِيـقُ ذَرْعـًا بِالـمَـكَــانِ وَأَهْـلِـهِ ... مَثْوَى الكُرُوبِ قَرَارَةَ الأَحْـزَانِ
وأَجَـرُ رِجْلِي والهُمُـومُ تُـحِيـطُ بِـي ... مُسْـتَـسْـلِـمًا لِلْيَــأْسِ والــخُـذْلاَنِ
وأَقُــولُ لِلْجَـمْـعِ الّـذِيـنَ خَبِرْتُــهُــمْ ... وَعَرَفْتُهُمْ مَـنْ سَـالِـفِ الأَزْمَـانِ
أُفٍ لَـكُـمْ مِـنْ مَـعْـشَـرٍ مُـتَعَـجْـرِفٍ ... بَاعَ الثَّمِينَ بِـأَرْخَـصِ الأَثْـمَــانِ
يَا لاَئِمِي فِـي غُرْبَتِـي فِـي حَيْـرَتِـي ... فِيمَا تَـرَى مِـنَ كَثْـرَةِ الهَـذَيَــانِ
مَـهْـلاً عَـلَـيّ فَـإَنّ قَـلْـبِـي طَـاهِــرًا ... لاَ أَقْبَلُ التَّزْيِّيـفَ فِي وُجْـدَانِــي
------------------------
ذلك هو أبي (عبد الرحمن يوسف أبوراوي) ... الذي يصادف اليوم ذكرى وفاته الخامسة ... رحمه الله وغفر لنا و له
ي.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق