من أعجب العجب ان نحاول بناء دولة أو وطن بدون أدنى اهتمام لمفهوم الدولة والوطن وتعريف الناس بهذه المفاهيم وتعليل وجودها وأهميتها للفرد والمجتمع ... وترتيب الانتماءات من الاسره الى القبيلة الى الاقليم الى الدولة وتراتبياتها ... ومعنى ان نكون مواطنين في دولة ما وما هي الحقوق والواجبات ... ان كل الفوضى على الارض ناتجه عن فوضى المفاهيم في الاذهان لأنها نتيجتها المباشرة ... ان مركب الجهل والفقر والمرض هو ما نعانيه على مستوى الافكار ولم نستطع تجاوزه رغم مراكمة الماديات وتغير طرق العيش واستعمال كل الأدوات الحديثة ... كما أن تلك الرغبة الدفينة في التسلط هي المهيمنة على كامل المشهد (السياسي) ان كنا نمارس السياسة فعلا ... ان كل ما نراه من خصومات ونقاشات وحروب ودماء هي انعكاس لرغبة التسلط لدى افراد معدودين ولكنهم يدفعون البسطاء للمحاربة في سبيل رغباتهم وأوهامهم عبر استغلال وتأجيج العواطف والانفعالات وتهييج النعرات والايدولوجيات والتحيزات ... فالبعض يحشد الجماهير تحت راية العقيدة والدفاع عن الدين والبعض يستغل راية الوطن الذي ينبغي ان ندفع نفوسنا رخيصة في سبيله ... والبعض يشتري المرتزقة بالمال ليحاربوا من أجله ... وفي الاخير وعند وصول اي من هذه النماذج الى السلطة سنجد انها لا تحتلف في شئ عن من سبقها بل هي تكرار ممل لأنواع من الدكتاتوريات لا أكثر ولا أقل ... ان اشتراك كل هذه الدعوات في القاعدة الاساسية وهي الجهل والتعصب وان اختلفت انواعه واتجاهاته تجعل من النتائج غالبا واحده وكارثية ... فالمواطن في السودان او أفغانستان (الاسلامية) عانى كما يعاني أخاه المواطن في سوريا او العراق (البعثية) او في ليبيا (الجماهيرية) او في المغرب أو دول الخليج (الملكية) او في غيرها من المسميات المختلفه من (جمهورية) او (ديمقراطية) ... ان كل هذا الهراء والتصنيفات لم تغير من واقع انساننا عبر كل هذه العقود فهو مجرد انسان مقهور بأنواع مختلفة من التسلطات ... كان القاسم المشترك بين كل هذه الدول هو احتقار الانسان وتحويله الى مجرد مادة استعمالية يستخدمها السادة الحاكمون لاشباع رغبات التسلط والتحكم لا أكثر ولا أقل ... وما لم نغير هذه المعادلة بالاهتمام بالانسان أولا قبل كل التصنيفات الاخرى ... والتأكيد ان حياته وكرامته فوق كل ألاعيب الطامعين في الحكم وثعالب السياسة والمال فان ما نقوم به هو مجرد استعباط وتكرار لتجارب فاشلة مهما رفعنا أصواتنا واصطنعنا من خصومات وحروب !!!!
ي.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق