لاشك ان لوسائل الاعلام اليوم الدور الاكبر في تشكيل وصناعة الافكار والاتجاهات ... ولا شك انها مجال خصب للدراسات والابحاث والتجارب ... هذا في جانب صانعي الافكار والسياسات ومروجيها والمستفيدين من كامل هذه الصناعة وفق خطط استراتيجية طويلة الأمد ... اما في جهة المستهلكين الجهلة كمجتمعاتنا المتخلفة فان الغرض منها غالبا هو صناعة قطيع يتم حصره وتوجيه افكاره وفق رغبات بعض الاذكياء والسماسرة لا أكثر ولا أقل ... فنحن دخلنا هذا الخضم بلا اي أهداف الا اهداف بعض هواة التسلط والتحكم لذلك ما نراه من ضخ اعلامي لقضية ما وغالبا ما تكون (سياسية) هي فقط زيادة رصيد هذا الزعيم او ذلك الحزب او تلك الجهة لا أكثر ولا أقل حتى ان احتوى على كم هائل من المغالطات والتناقضات الداخلية.
ان السرعة الكبيرة في تداول الافكار والاخبار وارتفاع وتيرة التشنج داخل المجتمع عبر تبرير الكره وتحويل الناس الى أجهزه حساسة تلتقط كل خبر وتنحاز له او ضده بسرعه عجيبة سينهك كامل الجهاز العصبي لهذه الكائنات المترقبة ويحيلها الى كائنات تبدو مجنونة تماما محاطة بعقد الزعامة والتصنيف والاستقطابات الحادة لسياسات هي مغيبة عنها تماما وعن صناعتها وعن صراعات أطرافها الخفية والمعلنة ... فالانسان العادي او المواطن ينبغي له ان يهتم بأموره الحياتيه المباشرة ويسعى الى تحسين ظروف حياته اليومية ... ففي دول العالم الواعية قد يتظاهر الناس لزيادة الضرائب او زيادة سعر المحروقات او لتأخر المرتبات أو تضامنا مع مريض لم يلقى العناية الصحية الازمة ... أو لتردي مستوى الأمن ... ذلك هو الذي يؤثر بشكل طبيعي في الحكومات ويجعل منها خادمة لشعوبها تسعى لارضائه ... عندنا ولأننا لم نعرف او نحدد حقوقنا او واجباتنا لم نر اي مظاهرة في هذا الاتجاه ... كل ما نراه هو حشود تخرج لمناصرة هذا الطرف او ذاك لأنها تنحاز اليه عاطفيا او لأنها تعتقد أنه اذا حكم سيحقق لها كل ما ترغب كأنه مصباح علاء الدين .
ان هذا الامنطق وهذه التصورات الاواقعية هي نتيجة طبيعية لتجذر الخرافة بجميع انواعها في عقلنا الجمعي لا أكثر ولا أقل ولأننا لم نحدد ما نريد بشكل فعلي ... فنحن مجرد منحازون على اسس غير منطقيه ولا واقعية بل الذي يحركنا مجرد انتماءات قبلية او قناعات ايدولوجية غير مبرهة غالبا او انسياق غبي مع الجموع والبيئة المحيطة ... أكاد أجزم أننا لو كنا خارج هذا الصندوق بكل ما فيه من فوضى وطلب منا مراقبة الوضع داخلة سنخرج بنتيجة واحدة هي الجنون المطبق لكل من هم داخله ... وإليك بعض هذه المشاهد لتتأكد :
- أناس عاشوا 40 عاما في أكواخ من الصفيح يبعثون بأبنائهم لتموت فداءا لهذا الحاكم المطلق طيلة هذه السنوات !!!!!
- أناس عاشوا 40 سنة خارج البلد هروبا من هذا الحاكم المطلق وسياساته أو في السجن هروبا من بطشه وعند رجوعهم بعد ازاحة هذا الغول المرعب تكتشف ان رؤوسهم بقيت كما هي طول هذه المدة ولا توجد فيها الا فكرة واحدة ... متى ارجع للوطن لأستلم مرتباتي طول هذه المدة النضالية !!!!
- أناس يرفعون شعار الاسلام السياسي ويسعون لاقامة خلافة اسلامية او دولة اسلامية وقد تم تربية وتدريب معظم قياداتهم من أجهزة استخبارات عالمية !!!!!!
- أناس يرفعون شعار الليبرالية والعلمانية ولم يقرأوا كتابا في حياتهم لكل فلاسفتها ومنظريها كما لا يجيدون التعبير عما يريدون بشكل منطقي متماسك وبعضهم يدعوا الى تفعيل دور القبيلة بدل المواطنة !!!!!
- أناس تنفطر حزنا على أناس قتلوا في تفجير انتحاري اذا كان هذا التفجير في بنغازي مثلا وتفرح كثيرا اذا كان في طرابلس ... وبالعكس !!!!!!
- أناس تدعوا الى بناء جيش وشرطة ... بلا اي مقاييس او معايير او ضوابط ... المهم ان يكون الجيش والشرطة من جماعتنا ولا يهم هنا اذا كان من ضمن اعضاءه مدنيين او حشاشين او قتلة مأجورين ... المعيار الاهم هو (معنا - ضدنا) ... فالجيش يجب ان يكون على رأسه (حفتر )او يكون على رأسه (بادي) حسب الاهواء والمويلات ... وقد يحتوي في أفرادة (بوكا) او (عفاريت) ... فلكل مؤيد من المعسكرين !!!!!!
- أناس تعتقد أن تدمير مدينة بكل ما فيها للقبض على المجرمين جائز وطبيعي بل هو برهان كبير على الدهاء والحنكة العسكرية ... وفي المقابل فإن تدمير مطار كارثة لا تغتفر .
- أناس تعتقد انها عندما ثارت على القذافي وحاربته صار لها صك الى نهاية العمر بأن تفعل ما تشاء او تظلم من تشاء او تستولي على ما تشاء فهم مجرد أزلام !!!!!!
ولو أردنا تتبع التناقضات من كل الاطراف لقضينا في ذلك ساعات وساعات ... ان مرد كل ذلك في نظري هو اننا لم نعرف حقوقنا فنجيد الدفاع عنها ولم ندرك واجباتنا فنؤديها بقوة واقتدار ... وبالتالي فانه لملأ هذا الفراغ كان لابد من ايجاد معارك في غير معترك لنبرهن لأنفسنا وللأخرين أننا نقوم بشئ ما ... ولا يهم هنا كم القتلى والجرحى والمشردين مادمنا نمتلك ردا شافيا وتأويلا مناسبا لكل هذا العبث ... أما أنا فأبرأ الى من كل ذلك وأدعوا الله ان لا يشغلني الا بما ينفعني في دنياي وأخراي !!!!!!
ي.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق