2015/09/24

الفكرة

يمتاز عالمنا المعاصر بسرعة الاتصال التي أدت الى سرعة تناقل الأفكار ووجهات النظر والرؤى وكل ما يختلج في أعماقنا ككائنات عاقلة ... سنجد أفكارا متنوعة ووجهات نظر يصل الخلاف بينها حد التناقض  ... نعجب ببعضها ونختلف من بعضها الاخر ، كما لا نستطيع فهم كثير منها لأنها تتجاوز قدرات فهمنا أو فنوننا وتخصصاتنا العلمية  ، لكن يضل اطلاعنا عليها أحد روافد ثقافتنا التي تتشكل عبر التقاط كل ما يجري حولنا من احداث او إعمال فكرنا في كمية المعلومات المتحصلة عندنا عبر الربط بينها واستخراج الكامن في بطونها عبر عمليات القياس والمقارنه والاستنتاج.

في هذا الخضم الواسع جميل أن نحدد أهدافا او نسعى لتطبيق فكرة أعجبنا مضمونها او اكتشفنا نبل مغزاها وفائدة تطبيقها ، الا أن بعضنا للأسف يصبح أسيرا لهذه الفكره او ذلك التوجه فتكون هي الاطار الذي يوجه كامل نشاطه العقلي وتصبح هي النافذة الوحيدة التي ينظر عبرها الى كل شئ ... عادة ما تعرف هذه الافكار المهيمنة بالأيدولوجيا والتي يترجمها كثيرون ترجمه حرفيا (بعلم الافكار)  ولكنها في الحقيقة هي مجموعة من الافكار المحدده التي تصوغ نظره الانسان في مجال ما وان اشتهر المصطلح في المجالات السياسية والاقتصادية وربما الدينيه ... ولكن الامر أعم من ذلك بالتأكيد.

مشكلة هذا النمط في التعاطي مع الافكار هو اعتبار ما تم اعتناقه من ايدولوجيا حقيقة مطلقة ، ثم محاولة لي أعناق ما عداها ليوافقها او رفضه ان لم نستطع ان نجد له مسوغا بأي وجه ... وهذا يقودنا حتما الى تعسف شديد نراه من اصحاب المذاهب والايدولوجيات ، فكل ما نراه من خلافات وحروب ، قبل أن توجد على الارض كانت في الاصل حروبا فكرية لطرفي النزاع فيها ، حيث نرى الطرفين يصدران عن أيدولوجيات مغلقة تحتكر الحقيقة وتجرم او تكفر المخالف لها  وما أسهل اللجوء الى الحرب والقتل بعد ذلك متى امتلكنا المبرر الفكري والاخلاقي لهذا الفعل.

 قديما قال بعض العقلاء من اتسع علمه قل انكاره ، وتلك حقيقة برهانها الواقع وسجلات التاريخ ، فمتى كان المنظر لمذهب او رأي عالما انسانيا عارفا بأحوال الناس واختلاف انظارهم كلما كان انتاجه متسامحا مع غيره قابلا للأخذ والرد ... وكلما كان ذلك المنظر ضحل العلم قليل الخبرة بأحوال المجتمعات والامم كلما كانت نظراته ضيقة وتسامحه قليل وادعاءه الحسم والوقوع على الحل الجذري والنهائي لمشكلات الناس مرتفعا ومبالغا فيه.

ان الحياة اكبر ولا شك من عقل عالم مهما اتسع ومن نظرية منظر مهما كان متبحرا ، فالحياه هي الوعاء الجامع لتجارب البشر ومحاولاتهم الخجولة لادراك الحقائق وتفسير الوقائع ، فلينظر كل منا الى رأيه او أيدولوجيته على أنها محاوله متواضعه لادراك الحق يشوبها بكل تأكيد ما يشوب تفكير البشر من غفله وقصور ونقص وانها تزداد غنا ونضوجا برأي غيره وتصويبه وتصحيحه ، والا فالويل كل الويل لنا من أنفسنا وادعائنا إدراك الحق المطلق فذلك لا يليق الا بالحق عز وجل ومن نازعه ذلك كان حقيقا أن يضل ويضل غيره ، وما نكبات أمتنا اليوم الا نتاج هذا الزلل والخطأ وادعاء الأقزام علما وفقها وتزكية أنهم يمثلون الحق وهم أبعد الخلق عنه !!!!!



ي.أ