2015/03/18

دكتاتورية وإن تعددت النكهات

استخدمت الدول الأوربية الاستشراق كمفتاح لدراسة الاحوال الدينية و الاجتماعية والاقتصادية ودرست بدقة علاقة المكونات الاجتماعية ببعضها البعض لأن الهدف النهائي لاحتلال بلد  ما هو السيطرة والادارة لمقدرات هذا البلد  وموارده ولما كانت هذه البلدان معمورة بأهلها الاصليين فلابد من فهمهم وفهم كيفية التأثير عليهم واستخدامهم ، ان المتتبع فقط لما كتب عن ليبيا من نهايات القرن 18 والي قبيل الاحتلال الايطالي سيدرك بوضوح أنهم يمتلكون فهما دقيقا للمنطقة جغرافيا كوصف المناطق والطرق وأبار المياه واجتماعيا وعرقيا  وأعداد السكان ، فقط اريد التنويه هنا الى أن كتاب سكان ليبيا هو من تأليف (هنريكو دي أغسطني) الايطالي مع استعانته ببعض دوائر الاحصاء التركية وهو الى الان أدق ما كتب عن القبائل الليبية .
مراكز الابحاث اليوم تقوم بأضعاف ذلك وتدرس كل صغيرة وكبيرة ، فهي بالاضافه لكل ما سبق تدرس وتبتكر كل يوم فرعا من الفروع العلمية التي تختص بجانب من جوانب دراسة الانسان والتحكم فيه وتوجيه رأية فينصهر في هذه البوتقة كل الاجتماعي والديني والنفسي بالاضافه الى استخدام وسائل الاعلام على نطاق واسع   لتطبيق هذه النظريات واختبارها ثم تصحيحها  عبر أليات التقنية الراجعة والنقد المنهجي وتوجيهها بشكل أكبر للوصول الى الهدف المنشود .
تظل هذه الدراسات ككل معرفة مجرد معلومات حتى يتم تطبيقها واستخدامها لغرض ما ، فيمكن مثلا ان تستثمر لتوجيه الناس وتحفيزهم على البناء والعمل او توجيه أرائهم لقضية وطنية عادلة ، كما يمكن أن تستغل بطريقة معاكسة تماما فيمكن أن يتم من خلالها توجيه الناس الى الحقد على بعضهم البعض عبر صناعة مجموعة من الأوهام وجعلهم يحتربون لأسباب غير موجودة في البداية ثم يصبح القتال من باب الثأر لمن قتل مني ولتبدأ كرة الثلج في التدحرج والتضخم خاصة في مجتمعات لم تعتد أن تفكر بمنطق وعقلانية بل كل ما تفعله هو ردود أفعال تعتمد العاطفي والانفعالي ، وليبرز هنا مجموعة من الحذاق والشطار الذي يحاولون استغلال كامل المشهد بعد فهم أبعاده لمصلحتهم الخاصة ، فالبعض يرى ان استمرار الفوضى هو الضامن لعدم وجود سلطة رقابة ومحاسبة فهو يريد أن يحتاز ما يقدر عليه من أموال وعقارات مثلا ، اما البعض الأخر فيرى ان هذا الاحتراب يمكن أن يتم استغلاله اقتصاديا لاحتكار السلع وبيعها بأسعار مرتفعه او حتى المتاجرة بالأسلحة والذخائر لارتفاع الطلب عليها من أطراف تشعر بالخطر المحدق بها من عدوها ، كما أن كثيرون يعتاشون على التأجيج مع أن دورهم تكميلي في عمليه الصراع ، هؤلاء خطيرون جدا لأنهم يعتمدون الثقافي في عملهم وهنا يبرز دور أشباه المثقفين وأشباه الاعلاميين وأشباه رجال الدين ، ان النعت هنا ب(الاشباه) لا نعني به أنهم قليلو الخبرة في مجالهم او في معلوماتهم ولكن المعني به هو استخدامهم كأبواق ومروجين لوجهة نظر أو أيدولوجية هذا الطرف أو ذاك.
 وراء هذه الشبكة من المنتفعين تأتي طبقة من الثعالب الأشد مكرا وهم من يعرفون عندنا بالسياسيين وهم الذين يحاولون استغلال كل هذه الفوضى واستغلال المنتفعين من الفوضى أيضا وشرائهم وتوجيههم اما لتحقيق مصالحهم الشخصية او الايدولوجية ، اما في مجتمعاتنا المتخلفة ولاننا لا نمتلك قرارنا السياسي بشكل حقيقي فالكثيرون منهم هم عبارة عن سياسيون بالوكالة ويتم استخدامهم عبر وسطاء استخباراتيون لتنفيذ أهداف محددة في أوقات محددة عبر تحريك التابعين والفاسدين والقابلين للشراء من كل ما سبق.
ان ادخال المجتمعات غير الواعية في هذا النمط الماكر من الصراعات يضمن في النهاية للجهات الفاعلة دوليا سهولة في التحكم والسيطرة لأن كل المتحركين لا يمتلكون قوة ذاتية بل كل ما يسعون اليه هو تسول الاعترافات والدعم من هنا او هناك ، وبما أن كل المتصارعين تم تلويثهم ويوجد ما يدينهم في اي وقت سيصابون برعب حقيقي من الخارج ينتج عنه تنازلات مخيفة لضمان عدم تخليهم عنه ، كما ينتج عنه دكتاتورية شديدة على شعوبهم لضمان عدم الثورة عليهم .
ان ما أراه أن الاستمرار في هذا العبث ستكون نتيجته اما عبث لا نهائي وانقسامات  ، واما سيطرة جزئية لطرف ما ليحكم بشكل دكتاتوري بشكل مفروض بنيويا لا يستطيع الخروج منه حتى لو أراد ذلك ، كل ذلك نتيجة طبيعية لثورة بلا فلسفة ولا أهداف واضحة بآليات واضحة وهشاشه مجتمعية لازالت تعتقد ان النموذج الأبوي يمكن أن يستمر في عالم مختلف كليا في تحدياته وفي نوعيه الاستجابة لهذه التحديات ، يجب أن يقتنع بضروره اعادة هندسة علاقاتنا وأفكارنا أكبر عدد من الناس لضمان كتلة قادرة على تغيير حقيقي ، لازال رأيي ان المانع لانشاء اي حكم شمولي هو مجتمع واع بذاته وبما حوله وان الاصرار على نمط تفكير وعلاقات كان حاضنا لكل أنواع الدكتاتوريات عبر قرون سيعيد انتاج الدكتاتورية التي قد تختلف في نكهتها او طريقة انتاجها ولكنها تضل تعني التسلط والقمع والاقصاء وستنتج لها طبقات جديدة من المطبلين والأقلام المأجورة وستفرخ أجيالا من الاغبياء لنعاود الكرة من جديد !!!!

ي.أ      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق