2017/02/24

الفشل وانتظار المخلّص

بما لا نحتاج الى كثير من الحجج والبراهين لإثبات أننا نمر بإنكسار حضاري شامل في كل الميادين ، استشعر أجدادنا ذلك عندما رأوا أسلحة الاوربيين في حملة نابليون وما تلاها ، وكثير من أذكيائهم حاولوا الخروج من هذا المأزق بطرق متنوعة نرصدها اذا رجعنا لسير هؤلاء المفكرين والسياسيين ورجال العلم والأدب ، ولكن مشكلتنا الكبرى ظلت هي السياسة ، فهي داؤنا المزمن منذ حادثة سقيفة بني ساعدة الى يوم الناس هذا بلا أي استفادة او درس حقيقي لما حدث ويحدث من حولنا. أزعم أن أكبر مشاكلنا هو مقولة رسخت في أذهاننا مفادها أن صلاح الرعية انما يحدث اذا صلح الحاكم والملك ، وهي تحوير لفكرة مسيطرة أخرى هي انتظار المخلص ، وهي فكرة تصاب بها الشعوب عندما تيأس من قدرتها على الآداء فتتكل على مخلص قادم يغير ما أصابها ، ولا تعدم الحيلة في استخراج ما يدعم ذلك من نصوصها الدينية. ان هذه المشكلة أصابت جميع العاملين في الشأن السياسي بلا استثناء لانطلاق الكل من أرضيه ثقافية واجتماعية واحدة وان تباين بعد ذلك ما استفادوه من تجارب الامم والشعوب وما اجتهدوه من أراء وأفكار ، فكان جل الصراع والنضال لا يتعدى الحاكمين وماهياتهم ، اشترك في ذلك الشيوعي والقومي والاسلامي وغيره من الافتات التي رفعت وترفع الى اليوم بلا أي تحسن يذكر في المخرجات بل ربما سارت الامور الى الأسوأ في كل مرة. كان يجب أن ينبه ذلك العاقلين الى حقيقة مفادها ان لب المشكلة ليس هنا ،وما دامنا قد غيرنا الدواء ولم يفد ذلك التغيير جسد المريض ، سيتبادر الى ذهن أي راصد ان التشخيص خاطئ وأن المعارك في غير معتركها ، ولكن شهوة التسلط لدينا حالت دون ذلك مما جعلنا نكرر الفعل في كل مرة مع توقع نتائج مختلفه وذلك تماما هو قانون الغباء كما لا يخفى !!! اعتقد أن العلاج الحقيقي لمشاكلنا هو مشاكل الفرد عندنا والاصلاح يجب ان ينصب على إنساننا لا على ما يولده من تشكلات وتمظهرات ، فالانسان القوي الواعي هو القادر على مجابهة واقعه والاستجابة لتحدياته بما يناسبه من أفعال ، وذلك لا يتحقق باستنساخ تجارب الأمم بعد انتزاعها من سياقاتها التاريخيه والمجتمعيه كما لا يتحقق بارتكاس تاريخي لفترات نعتقد انها كانت الأجمل في تاريخنا ، ولا يتحقق بالاغراق في التشبت بأوهام التفوق العرقي او القومي او الديني ، ان الانسان هو من يصنع ويدخل في كل هذه الاوهام كما انه هو القادر على تجاوزها متى نضج ، وبدون نضجه سيظل تائها بلا بلا انجاز لانه لم يحدد هدفا ، وسيضل لقمة سائغة لكل تجار الأفكار وسماسرة الأديان وشطار الاعلام و طغاة العسكر . حققوا الانساني فيكم ، وافتحوا أعين الناس على ذلك ليعلموه. ولنبدأ بالبناء على مستوى القواعد والافراد اذا اردنا أن ننهض ، والا سنستمر كما نحن مجرد متطفلين على موائد التاريخ والحضارة مهما ادعينا من بطولات وقلنا من أشعار ، وسنستمر في انتاج التشوهات الفكرية والسلوكية نتيجة الشعور الخفي بالمهانة الحضارية والحقد الدفين على نجاحات الاخرين وانجازاتهم ولن ينفعنا ابدا أن نفجرهم بدعوى الكفر أو ان نستحقرهم بدعوى العرق أو ان نكرههم بدعوى التآمر علينا أو أن نستهلك أزماننا وجهودنا وأموالنا في معارك داخلية صفرية بعد أن فشلنا في معارك العمل والانجاز. ان الاصلاح يبدأ من اسفل الى أعلى لا العكس وتاريخ بني البشر خير برهان ، لنكن نحن المخلصين لذواتنا عبر الوعي والبانين لقوتنا عبر تفجير الكامن منها ، هذا ما اعتقده وأتمنى أن أشتغل عليه ، أما باقي المعارك الوهمية ومحاربة طواحين الهواء فربما تكون أداة لقتل الوقت ولكنها لا تنتج شيئا على الاطلاق !!!!!
 ي.أ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق