2017/02/25

الفكرة


أكاد أعرف المجنون بأنه انسان عادي ولكن فكرة ما سيطرت على دماغه فصار حبيسا لها ، لا يرى العالم الا من خلالها ، ويفسر كل ما يحدث حوله بأحد تجليات هذه الفكرة. إن المتعصب لفكرة ما لا يبعد كثيرا عن حال ذلك المجنون ، عمليا لا يدور في دماغه الا فكرة واحدة تتقافز من ركن الى ركن محدثة ضجيجا داخليا وخارجيا ليس سببه ضخامة الفكرة او قوتها بل مصدره الرئيسي هو ذلك الفراغ الامتناهي بداخله ، بينما الذي يستطيع التعاطي مع الافكار المختلفة سنجده في أفق آخر كليا وغالبا ما يميل الى الهدؤ والتروي لانه يتعامل مع طيف واسع من الأفكار والرؤى ، ينظر ويوازن ويقارن ويحاول تلمس نقاط القوة والضعف فيما يقال ويطرح . العقلية الديماغوجية هي تلك العقلية التي تحاول اقناع الناس عبر توظيف مخاوفهم وأفكارهم المسبقة واستغلال كل ذلك وتوظيفه في مشروعها السياسي او الاعلامي او الديني ، فنرى أبواق هذا النوع لا هم لهم الا الاثارة والتهويل بلا اي مخطط لأي طريقة أخرى في التعامل مع الامور ، عانت شعوبنا كثيرا من هذه الطريقة في التلاعب بالمشاعر والعقول لعقود طويله واستغلت غالبا لتمجيد الطغاة او صناعتهم او تهييج الجماهير في قضية لصالح السلطة السياسية او الاقتصادية او الدينية ، وما نراه اليوم من أكثر وسائل الاعلام لا يخرج ابدا عن هذه المدرسة السخيفة المسخفة للعقول والمخفضة لكل ماهو انساني داخلنا عبر ألاعيبها القذرة. اما العقلية الناقدة الفاحصة فهي تلك العقلية التي تتعاطى مع الامور بدون اي أحكام مسبقة ، وهو ما يمتاز به الفكر الحر في تعاطيه مع الامور ، فصاحب هذه العقلية هو من يستخلص رأيا جديا وفكرة مختلفة بعد أن يحلل ما يرد اليه عبر وسائل الحس او تأمله العقلي بالكثير من الريبه والشك العلميين ، لا حبا في الشك بل محاولة للتأكد والتثبت قبل اصدار اي حكم. العقلية الأولى هي عقلية العوام أتباع كل ناعق الذين يستمعون للخبر فقط لتأكيد ما يعتقدون ، بينما العقلية الثانية هي عقلية الناقدين الأذكياء الذين يسمعون ويرون ليخرجوا بما ثبت عندهم ولا يلتفتون لغير ذلك مهما كان حجم الضغط العاطفي كبيرا. النوع الاول هم ضحايا الساسة والاعلام ورجال الدين وسماسرة الحروب يتم استخدامهم لتعزيز سلطاتهم ولو كان ذلك على أشلاء هؤلاء التبع وجماجمهم ، بينما النوع الثاني فهم أولئك المثقفون الذي يرون أن مهمتهم الاساسية هي معارضة هؤلاء السماسرة وتبيين كذبهم وألاعيبهم !!!! 

ي.أ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق