من أكبر مشاكلنا على الاطلاق التسطيح واستسهال التفسيرات لمسائل بالغة التعقيد ... ربما تعودت عقولنا على ذلك لأسباب كثيرة أهمها حب الراحة وقصر النفس ... وازاحة التفكير الفلسفي الذي يحاول النظر في التفسيرات الكلية التي تتجاوز السطحي والظاهري الى الاسباب والدوافع والعلل الجامعة ... مشكلة هذا النوع من السلوك الفكري انه ينتج لنا عقولا ضحلة للغاية ولكنها مع ذلك تتوهم العلم والمعرفة ما دامت تمتلك الاجابة او تعتقد أنها تمتلكها ... ولكن يجب ان نتذكر ان كل الأسئلة الكبيرة كانت لها اجابات طوال العصور ... فأي مرض معقد يكشف العلم عن اسبابه اليوم يمكن ان يكون له اسباب مفترضه في كل الحضارات وفي كل الازمنه ... فمنهم من فسره بأنه بسبب غضب الألهة او تسلط الارواح الشريرة او نتيجة حركة الافلاك العلوية او بسبب السحر او بغيره من الاسباب ... وقد كانت هذه التفسيرات شائعه ومقنعه جدا في أيامها ... كما ان التفسير الذي وصلنا اليه اليوم يمكن أن يدحض ويكتشف خطأه في مقبلات الايام ... لذلك فان أصغر متعاطي لفلسفه العلوم سيؤكد ان معظم النظريات العلمية اليوم هي تفسيرات نسبيه ومقاربات يمكن أن تطور ... هذه النسبية هي المحرك لكامل الحراك العلمي فلو اقتنعنا بأن تسلط الارواح الشريرة هو سبب المرض واعتبرناه حقيقه مطلقة لما وصلنا الى التفسير المعاصر. لو تجاوزنا العلوم الى مقام اعلى وأشد تجريدا و هو الفلسفة والفكر لعلمنا ان النسبية فيه جوهرية بل ان من أهم ما يميزه ان مذاهبه غير جازمة بل مجرد مقاربات ووجهات نظر. ان هذه التعاطي يولد عند أهله شعورا بالتواضع لانه يعلم انه مجرد سالك في دروب المعرفة بينما التعاطي الاول باعتبار امتلاك الحقائق النهائبة يولد عقليات متحجرة منغلقة على ذاتها منتحرة بحكم السيرورة التارخية ... فكل مذهب أو رأي اكتفى بنفسه ولم يتم تجديده عبر اراء جديدة ومقاربات من مدارس اخرى انقرض وتلاشى مع الزمن . كل الحضارات بدأت بمفكرين وانتهت بمنغلقين ... حضارتنا الاسلامية لم تكن شاذه عن هذه القاعدة ... وحتى على مستوى التفكير الديني بالخصوص فرب اجتهاد قام به احد الصحابه كعمر او ابن مسعود او ابن عباس لو قال به أحد الفقهاء اليوم لرجم وطرد وعدد المسائل كبير جدا لمن اراد الرجوع الى امهات التراث ... كما ان عصر الأئمة الاربعة ونظرائهم ومن جاء بعدهم بقليل في اوج ازدهار العصر العباسي يشهد لهم بذلك ... الا ان انحدار الحضارة وتمزق الدولة والصراعات التي احتدمت شرقا وغربا جعلت من الملكة الفقهية تنحدر وتنتج مذاهب حروفية جامدة وصل بها الامر الى اغلاق باب الاجتهاد اصلا حتى لمن تأهل له وامتلك آلته. اليوم وبعد انفتاح كل حضارات العالم على بعضها البعض وتقاربه في الزمان والمكان لا أدري ما هو المثير في احياء تراث عصر الانحطاط وبشكل حصري عند كثير من شرائح المسلمين ... كما لا أجد تفسيرا لعدم الاخذ بالمنهجيات التي اتبعها الفقهاء بدل الحرص على تناقل ماقالوه من مسائل كانت بنت وقتها وتعتبر أراءا جيده وربما ثورية في ظرفها الذي نشأت فيه ... أنا ضد ان يتكلم غير الفقهاء في مسائل الفقه بل ادعوا المتخصصين والمالكين لأدواته الى فعل ذلك ... ولاكن لا يعقل ان يكون هؤلاء مجرد نقلة وحروفيين الى درجة الالتزام بنصوص الأئمة واجتهاداتهم حتى ان خالفت الحكمة والعلة وراء هذا الاجتهاد ... وما مسأله جواز اخرج زكاة الفطر نقدا عنكم ببعيد ... وغيرها كثير !!!!
ي.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق