أتذكر أن أول مرة أسمع عنهم كانت عندما جلست الى ابي رحمه الله من سنوات طويلة ذات مساء صيفي وقد جلس على حصير في سياج البيت طلبا لنسمات تخفف الحر في زمن لا توجد به مكيفات.
كان يقرأ كعادته، وسألته بفضول كعادتي عن كتابه الذي بين يديه فقال انه كتاب (الجامع) وهو كتاب في الفروع الفقهية للمذهب الأباضي ... فسألته عن هذا المذهب فقال لي هو مذهب الأمازيغ في شمال أفريقيا ومذهب دولة عمان و زنجبار وقال لي انك ستلاحظ علاقات ثقافية بين الأمازيغ وعمان لهذا السبب ، وامتدح علمائهم وقال انهم على خلاف مذاهبنا السنية يجتهدون ومنهم عالم جزائري شهير كان مجتهدا مطلقا من زمن قريب ... وأخبرني عن الشيخ سليمان الباروني وانه زار عمان لوجود تلك الروابط الثقافية القديمة ... وأخبرني ايضا ان معظم سكان الشمال الأفريقي هم في الأصل أمازيغ ولكنهم تعربوا مع الزمن ... وقال لي ان من الاختلافات القليلة التي تميز الاباضية عن المالكية انهم (ما يشرعوش) أي لا يرفعون أيديهم في تكبيرة الإحرام في الصلاة فسألته عن خطورة المسألة فقال انها ليست خلافا يفسد الصلاة فهي سنة عندنا ... كما انه مدح ميلهم الى الاعتزال والنزعة العقلية في العقائد مع انه أشعري ويعتز بذلك.
توفي أبي وما زال كتاب الجامع في مكانه المعهود من مكتبته الى جانب فتاوى ابن تيمية وكتاب التوحيد لابن عبدالوهاب وكتب الشيخ الغزالي وكتب المذهب المالكي وكتب الأشاعرة والمعتزلة والتصوف والفلسفة والأدب ... كان رحمه الله يفرح بمعرفة ومناقشة أي دين ومذهب أتذكر كيف يفرح المسيحيون البسطاء من العمال عندما يقول لهم اننا كمسلمين ومسيحيين نتفق على طهارة السيدة مريم ... وكيف فرح عمال من المذهب الدرزي عندما ذكر بطولات الدروز ووطنيتهم.
ليس بالفتاوى وحدها يحيا الانسان بل بالنظر بعين الرحمة الى خلق الله عسى الله أن يرحمنا يوم تنقطع الأسباب والدعاوى والشيوخ والمذاهب ... يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.
ي.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق