ليست الفجوة بين مجتمعات اليوم قابلة للقياس بالمال والماديات وحدها ، بل أزعم أن الفجوة الحضارية باتت ترتكز على الغنى والفقر بالأفكار والمعارف والتصورات التي تحكم أفعالنا أفرادا وجماعات وتجعلنا نبدو منسجمين مع زماننا وباقي محيطنا . أم أننا كائنات تحمل أفكارا وبرامج للتفكير والعمل منتزعة من سياقات سابقة وظروف قد تغيرت ، ولازلنا محتفظين بها كما هي.
في صناعة برمجيات الحاسوب يوجد مصطلح شهير هو (التوافق) compatibility، والذي يعني توافق هذا البرنامج مع نظام التشغيل أو أحد اصداراته ، فعندما تقوم الشركة المصنعة بانتاج برنامج من أي نوع فهي تصنعه ليتوافق مع الشائع في السوق من أنظمة تشغيل (ويندوز7 او لينوكس مثلا) . بعد فترة قصيرة ونتيجة التغير المستمر والسريع في هذا المجال سيتم اصدار نظام تشغيل جديد (ويندوز10 مثلا ) ، ومالم تسارع الشركة المصنعة للبرنامج بترقيته ليشتغل مع نظام التشغيل الجديد عبر التغيير فيه او حتى اعادة هندسته بالكامل، فإنه لن يشتغل بشكل صحيح في ظل المتغيرات الجديدة ، وبالتالي ستفقد الشركة كل زبائنها وبالتالي كل الأموال الناتجة عن البيع والتحديث والصيانة ، وسيركن البرنامج غير المحدث على الرف او سيكون مصيره حاويات القمامة في النهاية ، رغم كل الجهد المبذول في تصنيعه والدقة التي يحققها في نتائجه.
رغم المادية الشديدة في المثال السابق إلا أن عالمنا البشري لا يختلف كثيرا ، فنحن بحاجة ماسة الى ترقية مفاهيمنا وتصوراتنا حول القضايا الهامة في حياتنا كتصوراتنا حول المجتمع وأنظمة الحكم والقضايا الدينية وغيرها في عالم سريع الحركة والتغير إذا أردنا أن نكون عناصر فاعلة في هذا العالم ، وذلك طبعا لا علاقة له بما نعتقده حول أنفسنا من نبالة المعدن ورفعة الأخلاق وصفاء النفوس وبطولات الأجداد، المسألة كلها لها علاقة بالحاضر والآني ومقدار مساهمتنا القابلة للقياس في المشاركة في صناعة عالم اليوم ، وإلا سيكون مصيرنا تماما كتلك المنتجات البائسة التي ظلت تتباهي بجمال ألوانها وعظمة أسلافها وقصائد شعرائها ولم تشعر على الاطلاق أنها على الرف وفي سلة المهملات !!!!!!!!!
ي.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق