2017/10/21

اننا متناقضون

التفكير الناقد هو السبيل الوحيد لتنظيم الفكر وعدم الوقوع في مطب تصديق الفكرة ونقيضها معا ... فمثلا كثيرون يسبون الحكومة ويصفقون لها ... وكثيرون يؤمنون أن كل المسؤولين فاسدون ولكنهم يستميتون في أن يكون له ابن عم مسؤول ... وكثيرون يؤمنون ان العلم هو سبيل تقدم الشعوب ولكنه يسمح لابنه بأن يغش في الامتحانات ... وكثيرون يتذمرون من الوضع وعند التحقيق سنعلم أنهم أحد صناعه ... وكثيرون يفسرون كل ما سبق بغياب التدين او الوازع الاخلاقي، ولكن كثير من المتدينين شكليا لايتورعون عن أكل أموال غيرهم او ظلمهم مادامو ملتزمين بالصلاه في المسجد وترتدي نسائهم الحجاب ... الحقيقة أن كل ذلك خلل فكري أولا فعقولنا لم تتعود التصنيف للفهم، بل انها تصنف لغرض التعصب مع أو ضد، كما أننا نؤمن بحزم من الافكار بدون أي نقد ولو بسيط لها ... فدائما الشعار هو (كيف الناس لاباس)... وهو السبيل المثالي لخلق الإمعات ثم تكوين قطعان منهم ... ان التفكير المنطقي هو السلاح ضد كل هذا العبث لذلك فهو محارب من كل محتكري السلطة من الحكام ورجال الدين والتجار والاعلاميين !!!!

ي.أ

2017/10/20

التائهون بين الثورات !!!

في جلسة قصيرة مع أحد الزملاء بالأمس دار الحديث حول مسألة كثيرا ما أثرتها منذ 2011 الى اليوم وهي مسألة غياب النقد والتقييم لمسيرة ليبيا في عهد القذافي وماهي الدروس المستفادة من ذلك ... فلم تكن مشكلة القذافي يقيبنا في لون عينيه او تسريحة شعره او انتمائه القبلي او العرقي ... كان اللوم المنصب عليه هو أنه عطل قيام دولة حقيقية عبر تركز كل السلطات في شخصه ... والتقصير في بناء ليبيا في فترة ذهبية من تاريخها ربما لن تتكرر كمداخيل اقتصادية ... اما سلوكه الشخصي وهو ما ركز عليه الكثيرون في منذ 2011 الى الأول عبر الادعاء انه يهودي او انه سكير او زير نساء فتلك أمور حتى لو سلمنا بصحتها فهي لا تهم المواطن العادي اطلاقا .
.
اليوم انتبهت ان هذه الأيام هي ذكرى انتهاء القذافي ونظامه ... فترة حكم القذافي انقضت بكل ما فيها من خير وشر وسواء كنا مناصرين له أو ناقمين عليه، وسواء اكتشفنا حسنه او قبحه بعد موته ... فالتاريخ لا يرجع الى الوراء ... واستخدام تقنية الشماته او المعايرة لن يرجع الزمان الى الخلف كما انه لن يسهم في بناء أي شئ حاضرا او مستقبلا ... لكن مشكلة هذه الفترة انها ستظل كغيرها من الفترات التي مرت بها بلادنا مجرد سنوات تعد ولكنها تظل مجرد فجوة زمنية بالنسبة للتاريخ الحقيقي الذي يتجاوز سرد الاحداث الى فهم الأسباب والعلل ويشخص المشاكل ويحاول الاسهام في وضع الحلول ... وستنقضي ايضا ايام ثورة فبراير وتلحق بباقي الحقب قبلها بدون مراكمة أي خبرات يستفيد منها من سيأتي بعدنا ... يبدوا أننا نستمتع بالعيش بلا هدف على مستوى الأفراد والجماعات أيضا ... لذلك سنظل في تيهنا الى ما لا نهاية ... ان ما يميز المجتمعات الحية ليس كمالها أو خلوها من الأخطاء ولكن ما يميزها هو القدرة على تشخيص مشاكلها وامتلاك شجاعة الاعتراف بيها لا ليسجل هذا الاعتراف نقاطا تحسب لصالح فلان او ضده بل لتكون منطلاقا لايجاد الحلول لهذه المشاكل ... لو رجعنا لبعض كتب التاريخ والحوليات لرأينا تقلد عشرات الأشخاص لمنصب الحاكم في بلادنا ... وما مر بنا من حكام وساسة سيتحولون الى شخصيات من هذا القبيل بعد سنوات قليلة أيضا ... ذهبت أمجادهم وأموالهم وعلاقاتهم وتحالفاتهم وأبقوا التخلف والفوضى والجهل المركب لتكون النتيجة مجتمعات بائسة تعيش متطفلة على هامش التاريخ في كل شئ !!!!

ي.أ

2017/10/19

نوستالجيا

النوستالجيا هي حالة نفسية ومزاجية تعني حب شديد للعصور الماضية بشخصياتها واحداثها ... ربما بدون أي مبرر منطقي ولكن مجرد هروب من واقع سيئ الى اوقات نفترض جودتها لأنها مضت ولا سبيل لقياس جودتها او بؤسها حاليا ... لذلك الامر سهل جدا ولا تبعات فيه ... فكلما مررنا بأزمة رأيت أناسا يتباكون على ايام القذافي الجميلة مع أنهم كانوا يلعنونها ... وكلما رأينا ما لا يعجبنا من جيل اليوم قلنا ما أجمل أيام أبائنا وأجدادنا مع أن كثيرين منهم كانوا يسلكون مسالك لا نرضاها ... وعندما نفشل في مواجهة تحديات عصرنا ترحمنا على ايام ازدهار الحضارة الاسلامية الزاهية مع ان فيها كثيرا من الظلم والعذابات والعبودية ... وعندما نريد استلهام نموذج فكري رجعنا الى أيام السلف الصالح مع ان كثيرين منهم قتل بعضهم بعضا لأسباب دنيوية ... نصيحة لي ولكم حاولوا ان تنسوا الماضي ولنخطط للمستقبل ... أو على الأقل فلنرجع اليه بموضوعية لا بنظرات مجتزأة تلمّع الحسن فيه وتتغافل عن كل المساوئ والعيوب !!!!!
ي.أ

2017/10/18

كائنات مرعبة

من مساوئ زمننا وما فيه من أدوات (التواصل/التقاطع) أنها زادت الفجوة بين الأجيال بشكل غير مسبوق في تاريخ البشر، مما يهدد كامل الهوية البشرية ويضرب أهم خصائصها وهي نقل الخبرات والتجارب بين الأجيال ... لقد بدأنا نرى أجيالا لا تعرف عن واقعها وتاريخها الذي أنتج هذا الواقع أي شئ ، بل ربما نظرت إلى هذه الأمور بشئ من السخرية و التعالي ... فهي أجيال لا ارتباط لها بحكايا الأجداد والجدات ... لم تسمع مطلقا حكايات (حديدان والغولة) ولم تتعرف على شخصية (ام بسيسي سيسية أم كريع ملوية)، ولم يقل لها أحد أن (بوك شيشبان طاح في البرمة ما بان) ... ولم تسمع من المواقف والحكايات التي مر بها أسلافها أي شئ، فهي لم يقل لها أن أحد أجدادها انتقل الى العيش هنا نظرا لخصومته مع جار قديم، ولم تعلم أن أحد أعمام جدها كان شاعرا مثلا او شيخا او موظفا كبيرا... كما أنها لا تعرف الارتباطات العائلية والقبلية ولا تجهد نفسها في معرفتها فلا يعني لها شيئا اي اسم تسمعه رغم وجود بعض القرابة القديمة أو النسب بينهم ... هي لم تقرأ شيئا في كتب التراث ولا علومه ولم تحفظ أن فرائض الوضوء هي (وجهي وايديا وراسي ورجليا والفور والدلك والنية) ... كما انها لا تفقه كثيرا في أسباب المناسبات الدينيه والاجتماعية وأسبابها وارتباطاتها.
.
سيتسائل البعض ولكن ما نفع كل هذا الهراء وحق له أن يتساءل ... فنحن لا ندعوا ان يستغرق الانسان كل وقته في هذه الأمور ... ما نريده فقط هو القليل الذي يكسب أبناءنا طعما ولونا ، ويجعل منهم أكثر ذكاءا في التعامل مع محيطهم، وأقدر على التواصل مع بني جنسهم ومحيطهم وبلدهم ... كما أنه يزودهم بكمية من التجارب والتصورات والقيم ويدرب أذهانهم على الربط والتحليل والاستنتاج.
.
تحدثوا الى أبنائكم يرحمكم الله ، فهذا النمط المغلق المتجاهل لكل شئ إلا ما يحيط بنا من ماديات تنتج أجيالا باردة كئيبة لا تدرك من هذه الدنيا الا اسباب المتعة والاستهلاك التي تغرق فيها هربا من حقيقة جهلها وسطحيتها وخوائها العاطفي والفكري ... تحدثوا الى أبناءكم لنمنع انتاج هذا النمط من الكائنات المرعبة !!!!!
.
ي.أ

2017/10/11

تائهون تائهون

من قرون عديدة رأينا حكاما أشكالا وألوانا ... حكمنا البعض باسم الخلافة الاسلامية ... وحكمنا البعض لأنه مغامر استولى على الحكم بطرق بهلوانية ... وحكما ملوك وأبناء عائلات عريقة ... وحكمنا شذاذ الآفاق ومن لا يعرف أصله ... وحكمنا أجانب مستعمرون ... وحكمنا من رفع شعار الجهاد ومحاربة المستعمر ... وحكمنا من رفع شعار الدولة الوطنية ... وحكمنا عسكريون ومدنيون ... مع كل حاكم من هؤلاء نجد من صفق وهلل وكبر وظن أن القادم أفضل مما مضى ... وفي أغلب المرات كان القادم أسوأ ... يتكرر المشهد مرات ومرات عبر تاريخنا ... ويتكرر الفشل ... ويتكرر التصفيق للقادم بدافع محاولة الخروج من المأزق عبر انتظار المخلص ... يبدو أننا لم نتعلم من الأمم من حولنا التي خرجت من هذا النمط المستحيل والتعويل على القدر في ايجاد حاكم جيد ... تلك الشعوب عندما امتلكت وعيها بدلت المعادلة ... وبدأت هي في صناعة الحاكم الجيد والعادل عبر تبديل الفرد بمؤسسة وآليات المراقبة والمحاسبة فأصبح كل حكامها عادلين جيدين والا وجدوا أنفسهم في المحاكم ... بينما لازلنا نحن نتظر خروج المهدي من سردابة ... والكارثة اذا اكتشفنا أن لا وجود لمهدي ولا حتى سرداب ... اننا تائهون !!!!

ي.أ

2017/10/09

مجتمع محنط

برجوع بسيط لقصص علي مصطفى المصراتي في الخمسينات ... او مقالات الصادق النيهوم في الستينات ... او رسومات الزواوي في السبعينات ... سنكتشف ببساطة أن العقلية الليبية كما هي منذ ستين عاما ... ربما التغير الوحيد هو في بعض الماديات والتي غالبا لا نجيد استخدمها هي كذلك ... انه التحنط العقلي وعدم القدرة على الانجاز في أي شئ ... اما اليوم فالاتجاه هو الامعان في الرجوع للخلف عبر تبني واحياء خلافات دينية ومذهبية او تعصبات عرقية وجهوية وقبلية تجاوزتها معظم دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ... اننا نبدأ مما انتهى الاخرون من عشرات السنين ... ونحن فرحون جدا بهذا الوضع الذي يجعل منا مجرد كائنات مستهلكة على هامش التاريخ أو خارجه أصلا !!!!
ي.أ

2017/10/07

وجبات سريعة

اسخف وأرقع النقاشات حول فكر شخص أن يأتي شخص متسرع ليركز على مقوله او فكرة ويبدأ في نقدها او تجريمها ... ثم يطلق حكما بعد فحص جزء واحد من بناء عظيم معقد... تلك هي الموضة الشائعة في زمن السوشيال ميديا والاخبار السريعة ... عدم روية كامل المشهد وعدم الغوص واتعاب النفس في فهم الأفكار الكلية والأهداف البعيدة ... ان الوجبات السريعة للعقل تماما كالوجبات السريعة للمعدة قد تكون لذيذة ولكنها ضارة جدا !!!

ي.أ

2017/10/03

( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ).

يقول المتخصصون في الفلسفة ان أمريكا لم ينشأ فيها أي تفكير فلسفي الا الفلسفة البراغماتية ... وهي الفلسفة النفعية التي تقول أن معيار صحة الفكرة هو مقدار مفعها والاستفادة منها ...ثم تم حصر هذا النفع فيهم هم كأمريكان ... لذلك فهم لا يفهمون كثيرا لغة الدين الأخلاق والحقوق والأدب والمدح والذم والشتم والأصول والقبائل والأجداد والأساطير... كلها لا تعني لهم شيئا ... ببساطة الأمريكي مادة محضة ... ويريدون تحويل العالم الى مادة أيضا ... مجرد مادة يتم استخدامها وفق قوالب وأنماط محددة ... وهم الى الآن ناجحون في ذلك عبر تفكيك كل المنظومات التي تعارض ذلك ... الحلم الامريكي هو تحويل العالم الى سوق كبيرة ... وقاعدة بيانات كبيرة ... وتحويل كل العمليات الى عمليات محددة ومعرفة ومحسوبة ومنمطة ... واختزال كل العالم في مجموعة أرقام مخزنة في غابة من الحواسيب ... المتابع لعالم التقنية والحواسيب سيفهم تماما ما أقول ... اننا في زمن محاربة أي منظومة قيمية أو أخلاقية ... ما يحدث للاسلام اليوم هو جوهر ما قاله صمويل هنتنجتون في كتابه صراع الحضارات عندما قسم العالم الى ست أو سبع حضارات ، وقال ان مشكلة الحضارة الغربية اليوم تتمثل في حضارتين هما الحضارة الصفراء (الصين) والحضارة الخضراء (الاسلام) .. وحدد تماما مشكلتهم مع هذه الحضارات ... وهو وجود نظام قيمي يعارض مشروع الهيمنة الغربي ... وقال ان هاتين الحضارتين وحدهما هما من يتبنيان مسألة الاستفادة من الحضارة المادية الغربية مع الاحتفاظ بنظامهم القيمي والاخلاقي المستند الى الدين او حتى الهوية الحضارية ... ويجب أن تنشأ على أطراف هذه الحضارات حروب دامية مستمرة لاستنزافها لتذعن أخيرا للدين العالمي الجديد (المادة والمادة فقط) !!!!
.
ي.أ

2017/10/02

قليل من التاريخ المعاد باختصار

يقال أن الترجمة الصحيحة للعلمانية هي (الدنيوية) ... لما ضاق الناس في أوربا ذرعا بدول دينية إكليريكة تدعي النيابة عن الله وتحكم الناس بهذا المفهوم بعد أن قام التحالف بين سلطتي البابا والملوك وصار ينصبهم باسم الرب ... رأى مفكروهم أن الدين بهذا المفهوم بلاء مستطير ولا بد من ابعاده عن حياة الناس وسياستهم وحكمهم ... فقالوا بضرورة حكم من نوع جديد يتأسس على العقد الاجتماعي الذي يكون فيه الناس هم من يفوضون الحاكم للحكم وينزعونه منه متى شاءوا بدون الدخول في أبعاد دينيه مقدسة وهذا ما انتج العلمانية ... بعد ذلك ومع تغول الرأسمالية وشيوع دين خفي هو السوق وقيمه ، بدأ يظهر ما يسمى العلمانية الشاملة اي فصل الانسان عن كامل منظومة القيم المستندة غالبا على الدين وجعله لا منتمي لأي منها ... وتحويله الى مادة وترس في آلة السوق والاستهلاك الضخمة ... الغريب أن هذا المسار التاريخي الذي مر به الغرب يرد منا تكراره اليوم بعد أن تجاوزته تلك المجتمعات بداية من صنع الحركات الاسلامية المعاصرة في المئة سنة الأخيرة ومحاولة وصولها الى الحكم ... وهذا ما بدأت آثاره تظهر للعيان اليوم ... كل هذا الضجيج من الحركات الاسلامية وتولد حركات عنيفة والضخ الاعلامي والفكري ضدها سيجعل الناس والشباب يبتعدون عن الدين والمطالبة بابعاد الدين عن السياسة ... هذا المسار مع انه معروف ومرصود ومرت به مجتمعات قبلنا فإننا لم نستفد منه ولم نقرأ ونتدبر ... ولعل ذلك من تجليات قول الصداق المصدوق صلى الله عليه وسلم (( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ )) [ متفق عليه ] !!!